كتاب: في ظلال القرآن (نسخة منقحة)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: في ظلال القرآن (نسخة منقحة)



ولما نشب القتال أبلى أبو دجانة الأنصاري بلاء حسناً. هو وطلحة بن عبيد الله، وحمزة بن عبد المطلب، وعلي بن أبي طالب، والنضر بن أنس، وسعد بن الربيع..
وكانت الدولة أول النهار للمسلمين على الكفار؛ حيث قتل من هؤلاء سبعون من صناديدهم. وانهزم أعداء الله وولوا مدبرين. حتى انتهوا إلى نسائهم. وحتى شمرت النساء ثيابهن عن أرجلهن هاربات!
فلم رأى الرماة هزيمة المشركين وانكشافهم، تركوا مراكزهم التي أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا يبرحوها وقالوا: يا قوم، الغنيمة! الغنيمة! فذكرهم أميرهم عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يسمعوا، وظنوا أن ليس للمشركين رجعة! فذهبوا في طلب الغنيمة، وأخلوا الثغر في أحد!
عندئذ أدركها خالد، فكّر في خيل المشركين، فوجدوا الثغر خالياً فاحتلوه من خلف ظهور المسلمين. وأقبل المنهزمون من المشركين حين رأوا خالداً والفرسان قد علوا المسلمين، فأحاطوا بهم!
وانقلبت المعركة، فدارت الدائرة على المسلمين، ووقع الهرج والمرج في الصف، واستولى الاضطراب والذعر، لهول المفاجأة التي لم يتوقعها أحد.
وكثر القتل واستشهد من المسلمين من كتب الله له الشهادة. وخلص المشركون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أفرد إلا من نفر يعدون على الأصابع قاتلوا عنه حتى قتلوا. وقد جرح وجهه صلى الله عليه وسلم وكسرت سنه الرباعية اليمنى في الفك الأسفل. وهشمت البيضة على رأسه. ورماه المشركون بالحجارة حتى وقع لجنبه، وسقط في حفرة من الحفر التي كان أبو عامر الفاسق قد حفرها وغطاها! يكيد بها المسلمين. وغاصت حلقتان من حلق المغفر في وجنته.
وفي وسط هذا الهول المحيط بالمسلمين صاح صائح: أن محمداً قتل.. فكانت الطامة التي هدت ما بقي من قواهم، فانقلبوا على أعقابهم مهزومين هزيمة منكرة لا يحاولون قتالاً، مما أصابهم من اليأس والكلال!
ولما انهزم الناس لم ينهزم أنس بن النضر رضي الله عنه وقد انتهى إلى عمر بن الخطاب وطلحة بن عبيد الله في رجال من المهاجرين والأنصار قد ألقوا بأيديهم! فقال: ما يجلسكم؟ فقالوا: قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: فما تصنعون بالحياة بعده؟ فقوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم استقبل المشركين ولقي سعد بن معاذ فقال: يا سعد واها لريح الجنة إني أجدها من دون أحد! فقاتل حتى قتل.. ووجد به بضع وسبعون ضربة. ولم تعرفه إلا أخته. عرفته ببنانه..
وأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو المسلمين. وكان أول من عرفه تحت المغفر، كعب بن مالك. فصاح بأعلى صوته: يا معشر المسلمين. أبشروا. هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم «فأشار بيده: أن اسكت» واجتمع إليه المسلمون. ونهضوا معه إلى الشعب. وفيهم أبو بكر وعمر والحارث بن الصمة الأنصاري وغيرهم.. فلما امتدوا صعوداً في الجبل أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي بن خلف على جواد له اسمه العود. كان يطعمه في مكة ويقول: أقتل عليه محمداً. فلما سمع بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «بل أنا أقتله إن شاء الله.. فلما أدركه تناول صلى الله عليه وسلم الحربة من الحارث وطعن بها عدو الله في ترقوته» فذهب يخور كالثور. وقد أيقن أنه مقتول. كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبل! ومات بالفعل في طريق عودته!
وأشرف أبو سفيان على الجبل فنادى: أفيكم محمد؟ «فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تجيبوه» فقال: أفيكم ابن أبي قحافة؟ فلم يجيبوه. فقال: أفيكم عمر بن الخطاب؟ فلم يجيبوه. ولم يسأل إلا عن هؤلاء الثلاثة.
فقال: مخاطباً قومه: أما هؤلاء فقد كفيتموهم. فلم يملك عمر رضي الله عنه نفسه أن قال: يا عدو الله. إن الذين ذكرتهم أحياء. وقد أبقى الله لك ما يسوؤك! فقال: قد كان في القوم مثلة، لم آمر بها ولم تسؤني! (يشير بذلك إلى ما صنعته زوجه هند بجثمان حمزة رضي الله عنه بعد أن قتله وحشي. حين بقرت بطنه، واستخرجت كبده. فلاكتها ثمّ لفظتها!)
ثم قال: اعلُ هُبل! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ألا تجيبونه؟ قالوا: بماذا نجيبه؟ قال: قولوا: الله أعلى وأجل. قال: لنا العزى ولا عزى لكم! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا تجيبونه؟ قالوا: بماذا نجيبه؟ قال: قولوا: الله مولانا ولا مولى لكم». قال أبو سفيان: يوم بيوم بدر والحرب سجال. فقال عمر- رضي الله عنه-: لا سواء. قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار.
ولما انقضت المعركة انصرف المشركون، فظن المسلمون أنهم قصدوا المدينة لسبي الذراري وإحراز الأموال. فشق ذلك عليهم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه «أخرج في آثار القوم، فانظر ماذا يصنعون، وماذا يريدون. فإن هم جنبوا الخيل وامتطوا الإبل فإنهم يريدون مكة. وإن كانوا ركبوا الخيل وساقوا الإبل فإنهم يريدون المدينة. فوالذي نفسي بيده لو أرادوها لأسيرن إليهم ثم لأناجزهم فيها».
قال علي: فخرجت في آثارهم أنظر ماذا يصنعون. فجنبوا الخيل وامتطوا الإبل، ووجهوا مكة.
فلما كانوا في بعض الطريق تلاوموا فيما بينهم، وقال بعضهم: لم تصنعوا شيئاً، أصبتم شوكتهم وحدهم، ثم تركتموهم وقد بقي منهم رؤوس يجمعون لكم. فارجعوا حتى نستأصل شأفتهم.. فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فنادى في الناس، وندبهم إلى المسير إلى لقاء عدوهم وقال: «لا يخرج معنا إلا من شهد القتال.» فقال له عبد الله بن أبي: أركب معك. قال: لا فاستجاب له المسلمون على ما بهم من الجرح الشديد والخوف؛ وقالوا: سمعاً وطاعة. وأستأذنه جابر بن عبد الله. وقال: يا رسول الله إني أحب ألا تشهد مشهداً إلا كنت معك، وإنما خلفني أبي على بناته يوم أحد، فأذن لي أسير معك، فأذن له، فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه حتى بلغوا حمراء الأسد؛ وأقبل معبد بن أبي معبد الخزاعي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمره أن يلحق بأبي سفيان فيخذّله، فلحقه بالروحاء، ولم يعلم بإسلامه، فقال: وما وراءك يا معبد؟ فقال: محمد وأصحابه قد تحرقوا عليكم، وخرجوا في جمع لم يخرجوا في مثله، وقد ندم من كان تخلف عنهم من أصحابهم.
فقال: ما تقول؟ فقال: ما أرى أن ترتحل حتى يطلع الجيش وراء هذه الأكمة! فقال أبو سفيان: والله لقد أجمعنا الكرة عليهم لنستأصلهم. قال: فلا تفعل فإني لك ناصح! فرجعوا على أعقابهم إلى مكة.
ولقي أبو سفيان بعض المشركين يريدون المدينة؛ فقال: هل لك أن تبلغ محمداً رسالة، وأوقر لك راحلتك زبيباً إذا أتيت إلى مكة؟ قال: نعم. قال: أبلغ محمداً أنا قد جمعنا الكرة لنستأصله ونستأصل أصحابه. فلما بلغهم قوله قالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل. ولم يفت ذلك في عضدهم. وأقاموا ثلاثة أيام ينتظرون. ثم عرفوا أن المشركين أبعدوا في طريقهم إلى مكة منصرفين فعادوا إلى المدينة..
وبعد فإن هذا الملخص لأحداث الغزوة لا يصور كل جوانبها، ولا يسجل كل ما وقع فيها، مما هو موضع المثل والعبرة.. ومن ثم نذكر بعض الوقائع الموحية، تكملة لرسم الجو واستحيائه:
كان عمرو ابن قميئة من المشركين الذين خلصوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أفرد في فترة اضطراب المعركة، عقب تخلي الرماة عن أماكنهم، وإحاطة الكفار بالمسلمين، والصيحة بأن محمداً قتل، وما صنعته في صفوف المسلمين وعزائمهم.
وفي هذه الغمرة التي يطيش فيها الحليم كانت أم عمارة نسيبة بنت كعب المازنية تقاتل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قتالاً شديداً. وقد ضربت عمر بن قميئة بسيفها ضربات عدة، ولكن وقته درعان كانتا عليه. وضربها هو بالسيف فجرحها جرحاً شديداً على عاتقها..
وكان أبو دجانة يترّس بظهره على النبي صلى الله عليه وسلم والنبل يقع فيه، وهو لا يتحرك، ولا يكشف رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكان طلحة بن عبيد الله يثوب سريعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقف دونه وحده، حتى يصرع.. في صحيح ابن حبان عن عائشة قالت: قال أبو بكر الصديق: لما كان يوم أحد، انصرف الناس كلهم عن النبي صلى الله عليه وسلم فكنت أول من فاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فرأيت بين يديه رجلاً يقاتل عنه ويحميه. قلت: كن طلحة! فداك أبي وأمي! كن طلحة! فداك أبي وأمي! فلم أنشب أن أدركني أبو عبيدة بن الجراح. وإذا هو يشتد كأنه طير، حتى لحقني، فدفعنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فإذا طلحة بين يديه صريعاً. فقال صلى الله عليه وسلم: «دونكم أخاكم فقد أوجب» وقد رُمي النبي صلى الله عليه وسلم في وجنته، حتى غابت حلقة من حلق المغفر في وجنته. فذهبت لأنزعها عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبو عبيدة: نشدتك الله يا أبا بكر إلا تركتني! قال: فأخذ أبو عبيدة السهم بفيه، فجعل ينضنضه كراهة أن يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم استل السهم بفيه، فندرت ثنية أبي عبيدة. قال أبو بكر: ثم ذهبت لآخذ الآخر، فقال أبو عبيدة: نشدتك الله يا أبا بكر إلا تركتني! قال: فأخذه، فجعل ينضنضه حتى استله، فندرت ثنية أبي عبيدة الأخرى.. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «دونكم أخاكم فقد أوجب» قال: فأقبلنا على طلحة نعالجه. وقد أصابته بضع عشرة ضربة.
وجاء علي- كرم الله وجهه- بالماء لغسل جرح رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان يصب الماء على الجرح، وفاطمة- رضي الله عنها- تغسله. فلما رأت أن الدم لا يكف، أخذت قطعة من حصير، فأحرقتها، فألصقتها بالجرح فاستمسك الدم.
وقد مصّ مالك والد أبي سعيد الخدري جرح رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أنقاه. فقال له: مجه فقال: والله لا أمجه أبداً! ثم ذهب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «من أراد أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا».
وفي صحيح مسلم أنه صلى الله عليه وسلم أفرد يوم أحد في سبعة من الأنصار ورجلين من قريش. فلما رهقوه قال: «من يردهم عني وله الجنة؟» فتقدم رجل من الأنصار، فقاتل حتى قتل. ثم رهقوه فقال: «من يردهم ني فله الجنة وهو رفيقي في الجنة». فلم يزل كذلك حتى قتل السبعة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما انصفنا أصحابنا.. ثم جالدهم طلحة حتى أجهضهم عنه» وترس عليه أبو دجانة بظهره كما أسلفنا، حتى انجلت الكربة.. وقد بلغ الإعياء برسول الله صلى الله عليه وسلم أنه وهو يصعد الجبل والمشركون يتبعونه أراد أن يعلو صخرة فلم يستطع لما به، فجلس طلحة تحته حتى صعدها. وحانت الصلاة. فصلى بهم جالساً.
ومن أحداث هذا اليوم كذلك:
إن حنظلة الأنصاري (الملقب بحنظلة الغسيل) شد على أبي سفيان، فلما تمكن منه حمل على حنظلة شداد ابن الأسود فقتله. وكان جنباً. فإنه لما سمع صيحة الحرب وهو مع امرأته، قام من فوره إلى الجهاد. فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه أن الملائكة تغسله. ثم قال: سلوا أهله ما شأنه؟ فسألوا امرأته، فأخبرتهم الخبر!
وقال زيد بن ثابت: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد أطلب سعد بن الربيع. قال: فجعلت أطوف بين القتلى، فأتيته وهو بآخر رمق، وبه سبعون ضربة، ما بين طعنة برمح، وضربة بسيف، ورمية بسهم.
فقلت: «يا سعد. إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ عليك السلام، ويقول لك: أخبرني كيف تجدك؟ فقال: وعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم السلام. قل له: يا رسول الله أجد ريح الجنة. وقل لقومي الأنصار: لا عذر لكم عند الله إن خُلص إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيكم عين تطرف». وفاضت نفسه من وقته.
ومر رجل من المهاجرين برجل من الأنصار، وهو يتشحط في دمه، فقال: يا فلان. أشعرت أن محمداً قد قتل؟ فقال الأنصاري: إن كان محمد قد قتل فقد بلغ، فقاتلوا عن دينكم.
وقال عبد الله بن عمرو بن حرام: رأيت في النوم، قبل أُحد، مبشر بن عبد المنذر يقول لي: أنت قادم علينا في أيام. فقلت. وأين أنت؟ فقال: في الجنة، نسرح فيها حيث نشاء. قلت له ألم تقتل يوم بدر؟ فقال: بلى. ثم أحييت. فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «هذه الشهادة يا أبا جابر».
وقال خيثمة- وكان ابنه قد استشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر: لقد أخطأتني وقعة بدر، وكنت والله عليها حريصاً، حتى ساهمت إبني في الخروج، فخرج سهمه، فرزق الشهادة. وقد رأيت البارحة ابني في النوم في أحسن صورة، يسرح في ثمار الجنة وأنهارها يقول: الحق بنا ترافقنا في الجنة، فقد وجدت ما وعدني ربي حقاً. وقد- والله يا رسول الله- أصبحت مشتاقاً إلى مرافقته في الجنة. وقد كبرت سني، ورق عظمي، وأحببت لقاء ربي. فادع الله يا رسول الله أن يرزقني الشهادة، ومرافقة سعد في الجنة. فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك. فقتل بأحد شهيداً.
وقال عبد الله بن جحش في ذلك اليوم: اللهم إني أقسم عليك أن ألقى العدو غداً فيقتلوني ثم يبقروا بطني ويجدعوا أنفي وأذني. ثم تسألني فيم ذلك؟ فأقول: فيك!
وكان عمرو بن الجموح أعرج شديد العرج وكان له أربعة بنين شباب يغزون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غزا. فلما توجه إلى أحد أراد أن يتوجه معه فقال له بنوه: إن الله قد جعل لك رخصة، فلو قعدت ونحن نكفيك! وقد وضع الله عنك الجهاد. فأتى عمرو بن الجموح رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله. إن بنيّ هؤلاء يمنعونني أن أخرج معك. والله إني لأرجو أن استشهد فأطأ بعرجتي هذه في الجنة. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم «أما أنت فقد وضع الله عنك الجهاد».
وقال لبنيه: «وما عليكم أن تدعوه؟ لعل الله عز وجل أن يرزقه الشهادة؟». فخرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقتل يوم أحد شهيداً.
وفي مضطرب المعركة نظر حذيفة بن اليمان إلى أبيه والمسلمون يريدون قتله لا يعرفونه وهم يظنونه من المشركين. فقال حذيفة: أي عباد الله أبي. فلم يفهموا قوله حتى قتلوه. فقال: يغفر الله لكم. فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يؤدي ديته. فقال حذيفة: قد تصدقت بديته على المسلمين. فزاد ذلك حذيفة خيراً عند رسول الله.
وقال وحشي غلام جبير بن مطعم يصف مصرع حمزة سيد الشهداء في هذه الغزوة: قال لي جبير: إن قتلت حمزة عم محمد فأنت عتيق. قال: فخرجت مع الناس. وكنت رجلاً حبشياً أقذف بالحربة قذف الحبشة قلما أخطئ بها شيئاً. فلما التقى الناس خرجت أنظر حمزة وأتبصره حتى رأيته كأنه الجمل الأورق يهد الناس بسيفه هدا ما يقوم له شيء. فوالله إني لأتهيأ له أريده وأستتر منه بشجرة أو بحجر ليدنو مني. إذ تقدمني إليه سباع بن عبد العزى فلما رآه حمزة ضربه ضربة كأنما اختطف رأسه فهززت حربتي حتى إذا رضيت عنها دفعتها عليه فوقعت في ثنته (أحشائه) حتى خرجت من بين رجليه. وذهب لينوء نحوي فغلب. وتركته وإياها حتى مات. ثم أتيته فأخذت حربتي ورجعت إلى المعسكر فقعدت فيه. إذ لم تكن لي بغيره حاجة. إنما قتلت لأعتق..